البابا فرنسيس يترأس القداس الإلهي في الفاتيكان مع الكرادلة الجدد
استهل البابا عظته متوقفا عند الكلمات التي تفوه بها الملاك جبرائيل لدى زيارته بيت الناصرة المتواضع، إذ قال "افرحي أيتها الممتلئة نعمة" مضيفا أن الملاك كشف لمريم عن سر قلبها الخالي من دنس الخطية، وقد حاول المسيحيون عبر العصور أن يعبروا عن هذه الهبة، مسلطين الضوء على النعمة والعذوبة اللتين ميزتا المباركة بين النساء. وهذا ما فعلته شعوب تنتمي إلى أعراق وثقافات مختلفة. بعدها ذكر الحبر الأعظم بما قاله البابا الراحل بولس السادس لافتا إلى أن والدة الله تُظهر لنا ما يوجد في أعماق قلبنا: الصورة الأصيلة للبشرية البريئة والمقدسة، لأنها مفعمة بالتناغم والبساطة والشفافية والرقة والكمال والجمال. وأكد فرنسيس أن هذا الجمال وفي ضوء كلمة الله يحمل ثلاثة أبعاد لحياة مريم، ألا وهي: الابنة والعروس والأم. مضى البابا إلى القول لننظر إلى العذراء كابنة، مضيفا أن النصوص المقدسة لا تتحدث عن طفولتها، بيد أن الإنجيل يقدمها كشابة مفعمة بالإيمان، بسيطة ومتواضعة. إنها العذراء التي تنعكس في نظرتها محبة الآب، وينعكس في قلبها النقي المجانية والعرفان اللذين هما لون القداسة وعطرها. هناك تبدو لنا العذراء امرأة جميلة كزهرة نمت بعيدا عن الأنظار وهي جاهزة لتتفتح من خلال هبة الذات. أما البعد الثاني من جمالها – تابع البابا قائلا – فيتمثل في كونها عروس، المرأة التي اختارها الله كرفيقة لمخطط الخلاص. وقد أجابت قائلة "نعم .. ها أنذا أمة الرب". إنها أمة ليست بالمعنى المذل، بل كشخص أهل للثقة، أوكل إليها الله الكنوز الأثمن والرسالة الأهم. وأكد فرنسيس أن جمال مريم العذراء يكشف عن وجه جديد، وجه الأمانة والوفاء الذي يميز الحب المتبادل بين الزوجين، مذكرا بما كتبه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، في رسالته العامة "والدة المخلص" بأن الحبل بلا دنس قبلت اختيارها كوالدة لابن الله، يقودها الحب الزوجي، الذي يكرّس الشخص البشري بالكامل إلى الله. بعدها انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن البعد الثالث والأخير الذي يميز العذراء مريم ألا وهو كونها والدة. وذكّر بأنها تصور غالباً وهي تحمل الطفل يسوع بين ذراعيها، أو في مغارة الميلاد منحنية على الطفل المضجع في المذود. وقد كانت دائماً موجودة إلى جانب ابنها في كل مراحل حياته، كما فعلت في قانا حيث تدخلت من أجل العروسين، وفي كرفناحوم حيث أشاد بها الرب على إصغائها لكلمة الله، وأخيرا عند أقدام الصليب، حيث يسوع نفسه سلّمها إلى يوحنا كأم. إن العذراء مريم – قال البابا – جميلة في خصوبتها، أي إنها عرفت كيف تموت لكي تعطي الحياة، وعرفت كيف تنسى ذاتها لتعتني بالصغار والضعفاء الذين يلجؤون إليها. أكد البابا بعدها أن كل تلك الصفات موجودة في قلب مريم الطاهر، المتحرر من الخطية، والوديع إزاء عمل الروح القدس. وأشار فرنسيس إلى أننا نحن أيضا ننال هذا الجمال بواسطة سر العماد عندما نُحرر من الخطية ونصبح أبناء لله. ولا بد أن نقول كلمة نعم على غرار العذراء مريم، ونعكس ذلك في حياتنا. لا بد أن نترك فسحة للرب في مشاريعنا، وأن نقبل بحنان أمومي جميع الأشخاص الذين نلتقي بهم في مسيرتنا. وأضاف البابا أن العذراء ليست أسطورة، أو عقيدة مجردة أو مثالا مستحيلا، إنها مشروع جميل وواقعي، ونموذج تحققه إنسانيتنا ومن خلاله نتمكن من الإسهام في تغيير العالم، بواسطة نعمة الله. لم تخل عظة البابا من الحديث عن الممارسات التي نراها من حولنا، حيث يريد الإنسان أن يكون مثل الله، وهي ممارسات تجرح البشرية، ولا تولد الحب ولا السعادة. وقال إن من لا يحترم الأب أو الأم ومن لا يريد الأبناء، ومن ينظر إلى الآخرين على أنهم سلعة ومن ينظر إلى التضامن كمضيعة للوقت، لا يستطيع أن ينشر الفرح ولا أن يعمل من أجل المستقبل. وتساءل البابا هنا: ماذا تنفع الأموال في المصرف وأوضاع الرخاء في البيوت والعلاقات المزيفة في العالم الافتراضي إذا بقيت القلوب باردة وفارغة ومغلقة؟ بعدها دعا البابا المؤمنين إلى توجيه الأنظار نحو العذراء مريم طالبين منها أن يغمرنا قلبها المفعم بالمحبة، وأن يبدلنا ويجعل منا جماعة تكون فيها أوضاع الأبناء والأزواج والأمومة قاعدة ومعياراً للحياة، حيث تجتمع العائلة ويتقاسم الأزواج كل شيء، حيث يكون الآباء والأمهات حاضرين إلى جانب البنين. هذا هو الجمال الذي يخلص العالم، ولا بد أن نقول لله، كما فعلت مريم "ليكن بحسب قولك". في الختام ذكر البابا فرنسيس المؤمنين بأنه يحتفل بالقداس اليوم مع الكرادلة الجدد، الذين طلب منهم المساعدة في خدمة راعي الكنيسة الجامعة. وقال إنهم قدموا من مختلف أنحاء العالم ويحملون حكمة واحدة بأوجه متعددة، كي يساهموا في نمو ونشر ملكوت الله، موكلا إياهم جميعاً إلى شفاعة أم المخلص. |